كيف يقبل المجتمع السجين

خريجو السجناء بين ملاحقة الماضي ورفض المجتمع
أحدهم يحاول الانتحار والثاني يعجز عن إطعام أبنائه والأخرى تتحول لمتشردة
تعاني أسرة السجين من رفض المجتمع والأسرة لها ويترتب على ذلك مشاكل نفسية، والتي يمكن أن تطال السجين وأسرته خلافا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتكبدها السجين. فكثير من السجناء يعانون من عدم تقبل المجتمع لهم ومحاولة تفاديهم وتفادي التعامل معهم بدعوى تجنبهم للعار الذي يسببه لهم السجين، ويعاني السجين من محاصرة المجتمع له بنظرات الاحتقار والازدراء ويصنفوه في خانة من لا تجب مصاحبتهم لأنهم مصدر أذى والوقوف مع السجين يعتبر أمرا محضورا قد يسبب الكثير من المتابعات. ولهذا الصدد قمنا بالتقرب من بعض الضحايا سواء عائلة السجين أو السجين بحد ذاته فهو في نظر المجتمع مازال مجرما وجد معاقبته بالعزلة والرفض رغم أنه عوقب قانونيا .
استدان مالا فحولوه لسارق محترف
تقول نصيرة (زوجة سجين) :"بعد سجن زوجي بسبب الدين, بقيت أنا وأبنائي الخمسة تحت رحمة ورعاية أهل الخير من بعد الله، وتعرضنا للنظرات القاسية والتي توجه دائما لأسرة السجين من قبل بعض أفراد المجتمع، على الرغم من أن القضية لا تستحق، فزوجي لم يسجن لقضية شرف أو سلب أو تخريب لمصالح الدولة كتزوير أو اختلاس"، مشيرة إلى أنه بعد 7 أشهر من السجن اجتمع مجموعة من الأقارب لسداد الديون المستحقة على زوجها الذي عانى الأمرين فقد خاصمه الجيران وأغلب أصدقائه الذين أصبحوا يتفادونه بحجة أنهم معرضين لمتابعات قانونية إن تعاملوا معه فقد حولوه إلى سارق محترف رغم أن الأمر يتعلق بدين من أحد الأصدقاء الذي عجز عن تسديده جعله يحبس مما جعل الأسرة تغير مكان الإقامة إلى ولاية أخرى للعيش بأمان .
ويقول أحد أبناء نصيرة (يدرس في المرحلة الثانوية) "بعد سجن والدي أصبحت محور أحاديث التلاميذ، فالبعض منهم لا يعلم عن أسباب سجن والدي، مما ساعد على تلفيق بعض الشائعات التي جعلت مني شخصا غير مرغوب به".
طلقت قبل زواجها
ومن جهة أخرى تتأثر طبيعة مجتمعنا بالظاهرة، وتنعكس هذه التأثيرات على الفتاة سلبا وقد يمتد التأثير على مستقبلها، تقول حنان (ابنة سجين) "سجن والدي بسبب تزويره لبعض الأوراق الرسمية، مما تطلب التحقيق معه وسجنه, وكانت هذه الحادثة كوقع السيف على رؤوسنا, ولم يتوقف بنا الحال إلى هنا، بل أصبحت مطلقة قبل دخولي إلى الحياة الزوجية لسبب لم أشارك فيه".
وأضافت حنان أنها كانت العائل الوحيد لأسرتها، وذلك لأن إخوانها الذكور مازالوا صغار السن, وأنها تبلغ من العمر حاليا 29 عاما، ولم يتقدم لخطبتها أحد بسبب سجن والدها بدعوى أنهم عائلة لا تشرف
عجز عن إطعام أولاده فحاول الانتحار عدة مرات
ويقول سامي سجين سابق إنه عانى بعد خروجه من السجن من صدمة ما بعد الإفراج، وذلك بسبب نظرة المجتمع له، وأشار إلى أنه تم رفض توظيفه من قبل بعض الجهات المسؤولة باعتباره خريج سجون، وأضاف أيضا أن أسرته بقيت تعاني أثناء تواجده في السجن وبعد خروجه من السجن من الناحية المادية والنفسية.فقد اشتد به الوضع لدرجة أنه لدرجة أنه لم يجد ما يطعم به أولاده الثلاثة الذين تعرضوا مثله للتهميش والنبذ وأكد أنه تاب عن كل ما قام به و ترك العصابة التي يعمل معها في تروج المخدرات و التي ظلت تغريه بالأموال خاصة في محنته إلا أنه أقسم بعدم الرجوع لتلك الطريق مهما كلف الأمر و وكان ينتظر في أن يمده أحد بيد المساعدة ليغلق الباب على مافيا المخدرات إلا أن الجميع كانوا يعتبرونه المتهم والمذنب ولم يجد معينا سوى زوجته التي كانت تكنس البيوت وتنظف للحصول على بعض المال لتطعم العائلة، وهو ما جعل سامي يصاب بانهيار عصبي أدخله المستشفى بعدما حاول الانتحار عدة مرات ، وبعد امتثاله للشفاء قرر الرحيل للصحراء والاستقرار ليبتعد عمن يلاحقونه بماضيه.
تخلت عنها أسرتها فتحولت لمتشردة في الشوارع
وتذكر سجينة (فضلت عدم ذكر اسمها) أنها سجنت بسبب قضية شجار تحولت بأقاويل الناس إلى قضية شرف أساءت لسمعتها، وبقيت فترة دون أن يزورها أحد لدرجة أن والدها تنازل عن استلامها، تقول "عانيت من حالة نفسية تلقيت على إثرها العلاج، مما أفقدني الثقة بالنفس وتركني وحيدة، وسط مجتمع يحقر كل سجين مهما كان ، فما بالكم بالمرأة السجينة". وعندما خرجت من السجن بعد قضائها سنتين وجدت نفسها في الشارع بدون مأوى ولا أهل ،وكانت أمها تحاول مساعدتها بطريقتها الخاصة ، حيث ليس بعثت بها إلى إحدى الصديقات التي ساعدتها في إيجاد عمل كمنظفة بإحدى العائلات التي لم تعلم أنها خريجة السجناء.
رأي علم النفس
وقد كسفت دراسة لمختصين نفسانيين أن 77٪ يرفضون التعامل مع سجناء المخدرات و68٪ لقضايا أخلاقية، وتوضح الدراسة أن 51٪ من أفراد المجتمع يرفضون تزويج بناتهم من أشخاص قضوا عقوبة السجن في وقت سابق من حياتهم، مما يعكس أن اتجاهات أفراد المجتمع نحو المفرج عنهم تزداد سلبية خاصة عندنا يتعلق الموضوع بالزواج أو العلاقات المباشرة معهم.
وأكدت نفسانية أن المشكلة تكمن في أسرة السجين التي ليس لها ذنب أو خطيئة وإنما أخذت بذنب سجينها، تنقطع عنها الرعاية والعائل، ويحاصرها المجتمع بنظرات الازدراء ، مما يتوجب على المجتمع المسارعة في دعم هذه الأسر ورعايتها، حتى لا يستغل ضعاف النفوس فقرهم وعوزهم وغياب عائلهم وليجرهم في طريق الانحراف والتشرد والتسول . وبالتالي نضيف إلى المجتمع بدلاً من مسيء واحد، عدداً آخر أكبر من المنحرفين سواء من الأبناء والبنات والزوجة، والذين تضيق بهم السبل، وتسود الدنيا في أعينهم، ويدفعهم المجتمع إلى دروب الهاوية دفعاً لعدم رعايتهم ومساعدتهم، كما أن ملاحقة خريجي السجون بماضيهم تجعلهم أكثر استعدادا للإجرام والوقوع في الخطأ خاصة برفض توظيفهم وإدماجهم في المجتمع